• 2022-12-20

مساهمات

حكم الجوائز على الحسابات البنكية في البنوك الإسلامية

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،
فالحِسابات البنكية إمَّا أن تكونَ جارية أو استثماريَّة، ولمعرفة حُكم الجوائز على هذه الحِسابات لابدَّ مِن معرفة حقيقةِ كلٍّ منها.
أ- الحسابات الجارية:
التكييف الشرعي والقانوني للحساباتِ الجارية أنَّها قروضٌ مضمونة، يحقُّ للمصرِف التصرُّفُ فيها، ويقوم بردِّها عندَ الطلب ولو لم ينصَّ على ذلك.
إذًا؛ فالحساب الجاري يُعَدُّ قرْضًا حسنًا مُقدَّمًا من المودِع (العميل) إلى البنك.
وعلى ضوءِ هذا التكييف فإنَّ الجوائز على هذه الحساباتِ مُحرَّمة شرعًا؛ لأنَّها زيادةٌ على مبلغ القَرْض إذا كانتْ مشروطةً في طلب فتْح الحساب، أو أعْلَنها البنك في أثناء وجودِ الحساب، أو جَرَتْ عادة البنك بمَنْح هذه الجوائز.
وهذا الحُكْم مبنيٌّ على القاعدةِ الفقهية المُجْمَع عليها أنّ: "كلَّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو رِبا"، وقد جاءتْ بعض الأحاديث صريحةً بهذه العبارة، ولكنَّها لا تثبُت من حيث السَّند، وفيها مقالٌ عند المحدِّثين، ولكن جاءتْ رِوايات صحيحة عن الصحابة رضي الله عنهم تُثبِت هذه القاعدةَ، منها ما رواه البخاريُّ في صحيحه عن سعيد بن أبي بُرْدة عن أبيه قال: "أتيتُ المدينةَ فلقيتُ عبدَالله بنَ سَلاَم رضي الله عنه، فقال: ألاَ تجيءُ فأُطعمك سويقًا وتمرًا، وتدخُل في بيت؟ ثم قال: إنَّك في أرضٍ الرِّبا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجلٍ حقٌّ فأَهْدى إليك حملَ تِبْن أو حملَ شعير أو حملَ قتٍّ، فإنَّه ربا".
ورَوَى عبدُالرزَّاق في مُصنَّفه عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّه قال: "إذا أسلفتَ رجلاً سلفًا فلا تقبلْ منه هديةَ كُراع، ولا عارية رُكوب دابَّة".
وقدْ أجْمَع الفقهاءُ على هذه القاعِدة؛ فقال ابنُ قدامة في (المغْنِي): "كلُّ قرض شرَط فيه أن يَزيده فهو حرامٌ بغير خِلاف".
وقال ابنُ المنذر: "أجْمعوا على أنَّ المُسلِّف إذا شَرَط على المستسْلِفِ زيادةً أو هَديةً، فأسلف على ذلك، فإنَّ أخْذ الزِّيادة على ذلك رِبًا".
وقد يقول قائلٌ: إنَّ إعطاءَ الجوائز على هذه الحسابات مِن قبيل بابِ حُسْن القضاء في القرْض، فإنه يجوز للمستقرِض أن يُرجع القرضَ للمقرِض، وأن يَزيدَه على مبلغ القرْض من غير شَرْط، ولكن هذا بعيدٌ؛ لأنَّ البنوكَ تُعلِن مسبقًا عن هذه الجوائز، أو في أثناء وجود الحساب؛ ممَّا يُشجِّع المودِعين على إبقاءِ حِساباتهم من أجْلِ هذه الجوائز، وهذا هو عينُ الرِّبا.

ب- الحسابات الاستثمارية:
المرادُ مِن الحسابات الاستثماريَّة هو الودائع التي يَقْبلها البنك الإسلامي من المودِعين على أساسِ المضارَبَة، لا على أساس القرض.
فالبنك ها هنا يُعتبَر مضاربًا، والمودِع يعتبر ربَّ المال؛ وتُوزَّع الأرباح حسبَ الاتفاق بينهما.
وهذه الحسابات إمَّا أن تكون على صورةِ حساب توفير، بحيث يمكن للمودِع أن يسحبَ مِن حسابه ما يشاء في أيِّ وقتٍ شاء، أو على صورةِ وديعة إلى أجلٍ، بحيث لا يُمكن للمودِع أن يسحبَ شيئًا حتى انتهاء الأجلِ المُتَّفق عليه، وفي كِلتا الحالتين، فإنَّ البنك الإسلامي يستثمر هذه الأموالَ بما يراه في ضوءِ أحكام الشريعة الإسلاميَّة.
ويتَّضح مما سَبَق أنه لو أعطَى البنك الإسلامي الجوائزَ للمودِعين، فكأنَّما أعطى المضاربُ الجائزةَ لربِّ المال، وهذه الصورةُ لا حَرَج فيها؛ لعدمِ وجود ما يمنع من ذلك شرعًا. ولكن لا يجوز إخراجُ تلك الجوائزِ مِن الأرباح العامَّة للمصرف؛ لأنَّ للمودِعين والمستثمرين الحقَّ في هذه الأموال، إنَّما تكون من أموال المساهِمين في رأسِمال البنك.
وقد أصدرتْ ندوة البركة، المنعقدة بمكة المكرمة في رمضان 1424هـ قرارًا بهذا الشأن، جاء فيه: "يجوز تقديمُ البنكِ جوائزَ إلى أصحابِ حسابات الاستثمار؛ لأنَّ أرصدة هذه الحسابات مملوكةٌ لأصحابها، والبنك مُضارِبٌ لهم فيها بحصَّته من الرِّبْح، على ألاَّ يؤدِّيَ منْح هذه الجوائز إلى ضمان رأسمال المضارَبة، أو أي جزءٍ منها، كما في حالة حدوثِ خَسارة؛ وذلك لأنَّ ضمانَ المضارِبِ لرأسمال المضاربة لايجوز شرعًا، على أن يكونَ دفْعُ هذه الجوائز مِن أموال البنك، لا مِن أرباح حساباتِ الاستثمار؛ لأنَّ المضاربَ ليس له التبرُّع مِن أموال المضاربة".
والله أعلم

المصدر: من بحث بعنوان (جوائز المصارف الإسلامية والتقليدية.. تأصيل شرعي) للدكتور باسم عامر.

آخر أخبار الشيخ د.باسم عامر